التربة أحد موارد البيئة المتجددة , و تتكون من موارد صلبة عضوية و غير عضوية , إضافة
إلى الماء و الهواء و الكائنات الحية . و غني عن القول أن أهمية التربة للإنسان لا تقل عن
أهمية الهواء و الماء ذلك أنها بيت الإنسان الّذي يقطن عليه و يقيم و يجري كب نشاطاته
اليومية . فهو يقطن على اليابسة و يزرعها فتوفر له الغذاء و الماء بالإضافة إلى
الثروات الباطنية من معادن كثيرة و مصادر الطاقة الهامة و من أعماق الأرض تتفجر المياه
العذبة اللازمة لمعيشة الإنسان و من هنا أهمية المحافظة على التربة و عدم تلويثها و لكن
التربة كما الماء و الهواء لم تسلم من التلوث مما أثر على نوعية إنتاجها و مدى جودته و
صلاحيته للاستهلاك .
تنقسم ملوثات التربة لجزأين هما :
التلوث الكيميائي .
التلوث النووي .
أولاً : التلوث الكيميائي : يقصد به كل أشكال التغيرات الكمية أو الكيفية في مكونات
التربة من حيث صفاتها الكيميائية أو الفيزيائية أو الحيوية و التي تنتج بسبب استخدام
بعض المواد الكيماوية بقصد أو غير قصد و بالتالي إفساد المكونات الأساسية للتربة و تغيير
تركيبتها بحيث لم تعد تصلح للزراعة أو أن إنتاجها قد قل أو أنها تنتج غذاء ملوثاً ضاراً
بالإنسان .
مصادر التلوث كثيرة أهمها : التلوث بالمبيدات , التلوث بالمخصبات الزراعية , التلوث
بالمنظفات الصناعية , التلوث بالمركبات العضوية الهالوجينية و التلوث بالأسلحة
الكيماوية , و التلوث الناتج عن الحوادث الصناعية .
1- التلوث بالمبيدات : المبيدات مواد كيميائية تستخدم في مجالات الزراعة و الصحة
العامة للقضاء على آفات شتى .
هي مواد تساهم بقدر كبير في القضاء على الحشرات و الطفيليات التي تنقل الأمراض المختلفة
للإنسان و تساهم بقدر كبير في السيطرة على الأمراض التي تصيب المزروعات و قد بينت منظمة
الأغذية و الزراعة الفاو عام 1986 بأنه يقع ضمن هذا التعريف للمبيدات المواد التي
يستخدمها الإنسان من أجل تنظيم نمو النباتات و المواد التي تساعد على تساقط الأوراق و
تلك التي تمنع النضج المبكر غير المكتمل لثمار النباتات و هي التي تعرف بمنشطات و منظمات
نمو النباتات و كذلك مجموعة من المواد الكيماوية التي يتم استخدمها على المحاصيل الزراعية
قبل و أثناء و عقب الحصاد من أجل حمايتها من التدهور أثناء التخزين أو النقل و عليه
يمكن القول بأن المبيدات أنواع كثيرة حسب تأثير المادة الفعالة فيها و تشمل مايلي :
مبيدات الأعشاب , المبيدات الفطرية , المبيدات الحشرية , السموم القاتلة للطيور و
الطاردة لها مثل مبيدات القواقع .........
المبيدات أنواع متعددة حسب صورة تركيبها الكيماوي و تشمل على : المستحضرات السائلة ,
المستحضرات الجافة , الإيروسولات ( علب الرش ) و الطعوم السامة و مبيدات تغطية البذور و
مستحضرات الكبسولات .
بالرغم من أهمية المبيدات الحشرية في الحفاظ على المحاصيل الزراعية و منع انتشار الحشرات إلا
أن الخطورة تكمن في سوء استخدام المبيدات حيث يؤدي إلى الاستخدام المكثف لها إلى اختلال
التوازن البيئي و إلى تلوث عناصر البيئة المخلفة من تربة وماء و هواء و نبات و حيوان
مما ينعكس سلباً على الإنسان نفسه علاوة على تأثيرها المباشر أحياناً على الإنسان و يتوقف
تأثير المبيدات على صحة الإنسان علة عدة عوامل هي :
•مدى سمية المادة الفعالة التي تدخل في تركيب المبيد .
•جرعة و تركيز المبيد .
•الخواص الطبيعية و الكيماوية للمادة الفعالة التي تدخل في تركيب المبيد .
•طريقة دخول و امتصاص مادة المبيد لجسم الإنسان .
•مدة التعرض للمبيدات حيث تساعد مدة التعرض على في تحديد الجرعة التي يتم
امتصاصها .
هكذا على صعيد التربة بشكل خاص فقد بات واضحاً أن الاستعمال المفرط و الخاطئ للمبيدات
الزراعية بأنواعها قد خلف كميات هائلة من هذه المبيدات في التربة ذلك أن النباتات و
المحاصيل عامة لا تمتص من المبيدات إلا الكمية التي تتناسب و قدرتها . و معلوم أن المبيدات
مع هطول الأمطار أو الري تترسب إلى طبقات الأرض مسببة بذلك تلوثاً للمياه السطحية و
الجوفية أو تتبخر بفعل أشعة الشمس و تسبب تلوثاً في الهواء المحيط .
علاوة على ذلك فإن هذه المبيدات تقتل الكائنات الحية الدقيقة النافعة في التربة مخلة بذلك
النظام الحيوي الطبيعي و الهام في بيئة التربة و تؤثر على إنتاجية الزراعة و بدلاً من تحسين
الزراعة و تطوير المنتجات الزراعية ينقلب الحال إلى إضعافها و رداءة منتجاتها .كما
تساهم المبيدات في تحويل الآفات الثانوية إلى آفات رئيسية . و تعاني العديد من دول العالم
الثالث من مشكلة الاستعمال الخاطئ للمبيدات حيث يظن الكثير من المزارعين بأن زيادة
المبيدات تؤدي إلى زيادة المنتج الزراعي و بالتالي تصبح هذه المشكلة البيئية من أخطر ما
يواجه الأمن الغذائي في دول العالم الثالث .
2- التلوث بالمخصبات الزراعية : تعد مشكلة الانفجار السكاني من أكبر المشاكل البيئية
لأنها تكاد تكون مسبباً رئيسياً لمشكلات البيئة الأخرى من تلوث بأشكاله و استنزافاً للموارد
الطبيعية . و كان من أولى نتائج هذه المشكلة هو نقص الغذاء الّذي يتزايد وفق متوالية
حسابية اللازم كماً و نوعاً للسكان في العالم .و إزاء تزايد الطلب على الغذاء من جهة
وإزاء محدودية مساحو الأرض الصالحة لزراعة المحاصيل في العالم من جهة أخرى اتجه الإنسان في
محاولة منه لزيادة إنتاج الأرض من المحاصيل الزراعية المختلفة التي يعتمد عليها في قوته و
حياته في مسارين الأول تمثل في استخدام أنواع مختلفة و مركزة من المخصبات الزراعية غير
العضوية ( الأسمدة الفوسفاتية و الآزوتية ) لزيادة خصوبة التربة .
المسار الثاني تمثل في محاولة استخدام الأرض الزراعية أكثر من مرة في العام الواحد الأمر
الّذي اضطره إلى ضرورة استخدام المخصبات الزراعية لضمان خصوبة التربة .
و المخصبات الزراعية المقصودة هنا هي تلك المركبات الكيماوية ( غير العضوية ) و
بالتحديد الأسمدة الفوسفاتية و الآزوتية التي تستخدم لغايات زيادة خصوبة التربة
الزراعية . و غني عن القول أن استخدام المخصبات الزراعية ضمن الحدود المدروسة قد يكون
له آثار إيجابية و يعود على الإنسان بالخير إلا أن الإسراف في استخدامها و سوء استخدامها
كما ونوعا و مكانا و زمان هو الذي يخل بمعادلة التوازن بين ما يحتاجه النبات من هذه
المخصبات و ما يضاف منها على التربة الزراعية ذلك أن الكميات الزائدة عن حاجة النبات
من هذه المخصبات تحدث أضرار بالغة في عناصر البيئة المحيطة بهذه التربة .
3- التلوث بالمنظفات الصناعية : المنظفات الصناعية هي مستحضرات كيماوية يستخدمها
الإنسان للتنظيف أو العناية بنفسه أو بملابسه ....و تشتمل هذه المنظفات الصناعية على
قائمة طويلة من مختلف أنواع الصابون و الشامبو و مواد التنظيف و التعقيم و غيرها .
و هذه المواد هي على نوعين الأول منظفات يسره هذا النوع غير ثابت بحيث إذا تسربت إلى مياه
الأنهار أو البحيرات أو المجاري المائية يسهل أكسدتها و التخلص منها بعد مدة قليلة من
الزمن بواسطة الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في تلك المجاري المائية و تتحول إلى مواد
أخرى بسيطة لا ضرر منها .
النوع الثاني هي منظفات عسرة و هي من النوع الثابت الّذي يقاوم التحلل و لا تستطيع
الكائنات الدقيقة التخلص منها و هذه المنظفات العسرة هي التي تشكل ضرراً على البيئة و
ذلك أن أثر هذه المواد يدوم فترة طويلة مهما كانت النسبة تخفيفها في مياه الأنهار أو
البحيرات . و قد وجد أن سطح المياه في احد الأنهار التي فيها بعض هذه المنظفات قد تغطي
لمسافة عدة كيلو مترات بطبقة رقيقة من الرغوة أدت إلى عزل مياه النهر عن أكسجين الهواء و
تسبب في حدوث نقص شديد في كمية الأكسجين الذائب في المياه مما أدى إلى قتل ما بهذه المياه من
كائنات حية دقيقة و أسماك . و مما يجدر بالذكر أن كثيراً من قدرة المنظف الصناعي على
التنظيف و معلوم أن مادة الفوسفات تتصف بالتأثير السام على كل من الإنسان و الحيوان .
4- التلوث بالمركبات العضوية الهالوجينية : يقصد بالمركبات الهالوجينية تلك المركبات التي
تحتوي جزيئاتها على بعض ذرات الهالوجين مثل ذرات الكلور أو البروم أو الفلور و من
أمثلتها بعض المبيدات الحشرية D.D.T و الديوكسين و مركبات ثنائي الفينيل عديدة الكلور
و المعروفة باسم PCB و هذه المواد و غيرها لها استعمالات عديدة في معظم نواحي النشاطات
المنزلية و الزراعية و الصناعية .
5- التلوث بالأسلحة الكيماوية : لا يقتصر تأثير الأسلحة الكيماوية على الإنسان مباشرة و
إنما يمتد أثرها إلى تلويث الهواء و التربة و النبات و الحيوان و بالتالي على كل العناصر في
البيئة . و هذه أيضاً تعود إلى الإنسان لتقتله مرة أخرى إن هو سلم منها في المرة الأولى
المباشرة لا بل و يتعدى تأثيرها على أجيال و أجيال . تشتمل الأسلحة الكيماوية على
أنواع عديدة منها :
غازات الأعصاب ( مثل الزارين و الـ :VX )
غازات الدم ( حامض الهيدروسيانيك )
الغازات الكيماوية ( مثل الخردل الحارق )
الغازات الخانقة ( مثل الفوسجين )
الغازات المقيئة ( مثل الأدمسيت )
الغازات المسيلة للدموع ( مثل الكلورواسيتوفيتون )
غازات الهلوسة ( مثل L.S.D )
و هذه الغازات إما تكون قاتلة للبشر أو شالة للقدرة الحركي و هي تختلف مدة بقائها في
البيئة ففي حين تستمر غازات الأعصاب و الغازات الكاوية من 12 ساعة إلى عدة أيام نجد
أنواع أخرى لا تدوم إلا عدة دقائق أو بعض ساعات .
6- التلوث الناتج عن الحوادث الصناعية : شهد النصف الثاني من القرن العشرين تزايداً
ملحوظاً في أعداد و ضخامة الحوادث الصناعية التي لا يشك بأنها وقعت بمحض الصدفة أو الخطأ و
دائماً ما تكون النتيجة في مثل هذه الحوادث تلوثا كيميائيا يصيب الإنسان و التربة و
الهواء و الماء و الحيوان و النبات .
7- تلوث الأراضي الزراعية : الأراضي القابلة للزراعة لا تتعدى مساحتها 3% من مساحة ا
اليابسة و إزاء التزايد السكاني السريع على الغذاء يوما بعد يوم و من هنا اتجهت
الجهود إلى استخدام المخصبات الزراعية لزيادة خصوبة الأرض و بالتالي زيادة الإنتاج من جهة
و إلى محاولة استصلاح الأراضي الصحراوية لزيادة مساحة الأرض القابلة للزراعة من جهة
أخرى .
إلا أن جهود الإنسان في هذا المجال لم ترق إلى المستوى المطلوب ففي حين أن مشاريع استصلاح
الأراضي الصحراوية لم تنجح في زيادة مساحة الأرض القابلة للزراعات الحقلية نجد أن الإنسان
لم يحافظ على نسبة الـ3% الأصلية القابلة للزراعة بل عمد إلى تلويثها واستنزافها مما أدى
إلى أن يكون حصاده منها الأمراض و الأوبئة بدلاً من الغذاء و الأطعمة و يتمثل ذلك التلوث
و الاستنزاف للأراضي الزراعية في ثلاث صور رئيسية و هي الإدارة الرديئة للأراضي الزراعية
و الزحف العمراني و التصحر .
ثانياً : التلوث النووي : بدأ التلوث النووي يشكل خطورة على سلامة الإنسان و بيئته
منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين و على الرغم من أن التلوث النووي لم يصب
الإنسان مباشرة مثلما يصيب الهواء و الماء و الحيوان و النبات إلا أن تأثيره على التربة
يكاد يكون الأشد خطراً نظراً لديمومته فترة طويلة من الزمن .
• التلوث النووي بالتجارب النووية : على الرغم من حظر هذه التجارب من قبل
الأمم المتحد إلا أن هناك العديد من الدول التي لا تزال تقوم بمثل هذه التجارب و لها
أخطار كبيرة على البيئة المحيطة بمناطق التجارب سواء قامت هذه التجارب فوق الأرض أو تحت
الأرض فوق الأرض كميات كبيرة من الغبار المشع المحمل بنواتج الانشطار تنتشر في أجواء المناطق
التي تحيط بمنطقة التجارب كما أن الرياح تحمل بعض هذا الغبار المشع فيتساقط فوق كثير من
المناطق علاوة على حمل كميات كبيرة من الغبار المشع إلى طبقات الجو العليا و تصل أحيانا إلى
الستراتوسفير في الغلاف الجوي و منها تنتشر إلى مناطق بعيدة جداً عن موقع التجربة أو
الانفجار و حين تسقط هذه النظائر المشعة على الأرض فإنها تلوث الماء و الهواء و الغذاء .
و في حال كانت هذه التجارب و التفجيرات النووية تحت سطح الأرض فإن هناك احتمال تسربها إلى
المياه الجوفية و قد تحملها معها هذه المياه إلى الأنهار و البحيرات فتسبب لها التلوث
الإشعاعي .
•التلوث الناتج عن المحطات النووية : عمدت الكثير من الدول على إنشاء محطات لتوليد
الكهرباء تعمل بالطاقة النووية بدلا من المحطات الحرارية التي تعمل بالوقود التقليدي
كالبترول و الفحم و الغاز الطبيعي و ذلك لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة إلا أن هناك
خطراً كبيراً على البيئة من إقامة تلك المحطات من خلال :
1-وقوع بعض الحوادث للمفاعلات النووية
2-ما ينتج من هذه المحطات من نفايات نووية
3-ما تحدثه بعض هذه المحطات من تلوث حراري .
و في النهاية نجد أن تلوث التربة لا يقل بأهميته عن تلوث الماء و الهواء فهو المكان الّذي
نعيش عليه و نأكل و نشرب منه .