السياحة نشاط تجاري كبير فقد أصبحت صناعة رئيسية على النطاق العالمي و من المنتظر أن تبدي نمواً قوياً متواصلاً و قد زاد عدد السياح على المستوى الدولي إلى ثلاثة أمثاله خلال العقدين الماضيين و ارتفعت حصائل السياحة الدولية من 22 مليار دولار تقريباً في عام 1970 إلى حوالي 300 مليار دولار في عام 1990 و مع إضافة السياحة والسفر الداخليين ستكون هذه الأرقام أكبر بكثير ووفقاً لدراسة أجريت لحساب أمريكان اكسبريس ترافل استأثرت السياحة و السفر بمبيعات بلغت نحو 1916 مليار دولار في عام 1987 ما جعلها أكبر صدر للعمالة في العالم . و على امتداد العقدين الماضيين كان الجانب الأكبر من السياحة يذهب إلى أوروبا الغربية و أميركا الشمالية و أوروبا الشرقية و اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية و شرق آسية و المحيط الهادئ . و استأثر إقليم البحر المتوسط بمتوسط قدره 36% من حجم السياحة الدولية .
تتباين مساهمة النفقات السياحة في الناتج المحلي الإجمالي تبايناً واسعاً من بلد إلى آخر حسب حجم الاقتصاد و مستوى الاتفاق تتراوح حصة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لكثير من دول الكاريبي بين 15 – 30 % .
و على الرغم من أن السياحة الدولية كانت تعتبر وسيلة للمساهمة في النمو الاقتصادي للبلدان النامية فإن الدراسات التي أجريت في العقدين الماضيين أثبتت أن تكلفة البنية الأساسية الضرورية و الإمدادات الضرورية للسياحة الدولية كانت عالية جداً فيما يتعلق بالنقد الأجنبي و أن كشوف الميزانية في أنحاء العالم كثيرا ما كانت تبين أنه يجب أن تنقضي سنوات كثيرة قبل الحصول على أولى المكاسب الحقيقية من النقد الأجنبي من الأنشطة المتصلة بالسياحة و الحقيقة هي أن رصيد النقد الأجنبي الّذي تحققه البلدان النامية يعتبر صغيراً نسبياً .
يتم في كثير من البلدان النامية دفع جزء كبير من النقد الأجنبي مقابل تكلفة استيراد السلع و الخدمات التي يستخدمها السياح و جزء من تكاليف الاستثمارات الرأسمالية في المرافق السياحية مثل الفنادق و المركبات و المدفوعات لوكالات السياحة الأجنبية و رسوم الامتياز .. و نفقات الترويج و الدعاية في الخارج و لذلك لا تعتبر حصائل السياحة الدولية مؤشراً للدخل الحقيقي من السياحة .
و سيتباين الدخل الصافي من بلد لآخر حسب حجم المبالغ التي تنفق على الخدمات السياحية و الاستثمارات في القطاع و يتضح الآن بشكل متزايد أن السياحة ليست هي التي تؤدي إلى التنمية و إنما التنمية العامة لبلد ما هي التي تجعل السياحة مربحة .
السياحة و البيئة :
يمكن أن يكون للسياحة كغيرها من قطاعات التنمية الأخرى آثار إيجابية و سلبية في آن واحد على البيئة البشرية فالسياحة عادت بالمنفعة على البيئة عن طريق التدابير الحفازة لحماية السمات المادية للبيئة و المواقع و المعالم التاريخية و الحياة البرية و عادة ما يكون الترفيه و السياحة الهدفين الأوليين من إنشاء و تنمية الحدائق الوطنية و أنواع أخرى كثيرة من المناطق المحمية . و قد أصبحت المناطق الطبيعية عوامد الجذب الرئيسية و تشكل الأساس لما يعرف الآن باسم السياحة الطبيعية أو السياحة الإيكولوجية و يوجد نوعان من السياحة الإيكولوجية هما : السياحة ذات الأساس البحري و سياحة مجمعات الحيوانات البرية .
و قد أظهرت دراسات الحالة مثل حديقة خأوياي الوطنية تايلاند ، حديقة جزر فيرجين الوطنية في جزيرة كانغارو جنوب أستراليا و حدائق الحياة البرية شرق أفريقيا . إن السياحة الإيكولوجية تغل منافع مادية مباشرة تفوق تكلفة صيانة الحدائق و تنميتها بالإضافة إلى ذلك فإنها تحفز العمالة و التنمية الريفية في المناطق المجاورة و قد أصبح الجمهور في تلك المناطق على وعي متزايد بأن الحماية البيئية تزيد من مكاسبه الاقتصادية عن طريق زيادة عدد الزوار و في تنزانيا و رواندا بينت دراسات استقصائية أنه ينبغي حماية الحدائق الوطنية و تنميتها ما دامت تجذب مزيداً من السياح و يعود بفوائد اقتصادية .
إن التراث التاريخي و الثقافي الذي يحدد جاذبية بلد ما للسياح يشجع السلطات على حمايته . و هناك نماذج كثيرة على عمليات الإنقاذ الثقافي التي حفزت عليها السياحة و قد بذلت جهود كثيرة لتوفير حماية منتظمة للمدن و القرى و مجموعات المباني القديمة ذات الأهمية التاريخية و الفنية و قد ساندت اليونسكو كثيراً من هذه الأنشطة .
كانت السياحة القوة الدافعة وراء إنشاء أو تحسين المستوطنات و المنتجعات الصحية الصيفية والشتوية . ففي اكتساباً على ساحل المحيط الهادئ في المكسيك عاد منتجع سياحي بالفائدة على البيئة المجاورة بتوفير مرافق البنية الأساسية (إمدادات المياه و شبكات الصرف الصحي و الطرق و الكهرباء و الاتصالات السلكية و اللاسلكية ... ) و قد نفذت بلدان نامية كثيرة عدة مشاريع ساهمت من الناحيتين البيئية و الاقتصادية معاً في تحسين نوعية حياة السكان المحليين كما نمت سياحة المزارع أو السياحة الريفية في بعض البلدان و على سبيل المثال في المملكة المتحدة و فرنسا حيث ساهمت في تعزيز الزراعة والتنمية في الريف و الحد من الهجرة المفرطة من الريف إلى الحضر
تشكل البيئة الطبيعية من التي من صنع البشر الرصيد الأساسي لصناعة السياحة و إذا ما جرى تجاوز القدرة المنقولة لتلك الأرصدة فإنها ستعاني التدهور بل أضرار لا سبيل لإصلاحه . و قد نجمت أمثلة كثيرة له1ا التدهور عن السياحة كبيرة الحجم ( و بخاصة ما يسمى سياحة الرمل و الشمس )في بلدان الكاريبي و البحر المتوسط و غيرها من المناطق الواقعة على شواطئ البحار .
ففي بربادوس فرضت الأعداد المتنامية من السياح ضغوطاً متزايدة على استخدام الأرض و البيئة الأساسية في الجزيرة .
و أدت زيادة التخلص من مياه المجاري في البحر إلى تقليل مادي للموائل البحرية القريبة من الشاطئ . و أصبح نقص المياه و الكهرباء أمراً شائعاً في بربادوس و غرينادا و انتيغو بسبب تجاوز القدرة المنقولة لهاتين الخدمتين .
و في تونس انخفض مستوى المياه الجوفية في منطقة الحمامات بسبب السحب المفرط من أجل تلبية حاجات السياح المتزايدة . و في مصر فرضت السياحة المتزايدة .
في مصر فرضت السياحة المتزايدة ضغوطاً مفرطة على استهلاك الكهرباء . وقد ظهرت إحدى الدراسات إن أحد الفنادق العديدة المتعددة الجنسية التي بنيت في القاهرة لمواجهة الأعداد المتزايدة من السياح يستهلك من الكهرباء ما يكفي لتلبية حاجات 3600 أسرة معيشية متوسطة الدخل .
أثرت السياحة و الاستجمام على المناطق السياحية بعد طرق . و كان الضرر الّذي لحق بالشعب المرجانية في كينيا و تنزانيا و مدغشقر و موريشيوس و سيشيل و تايلاند و ماليزيا و بلدان أخرى موضع توثيق دقيق . وتعتبر الحالة في إقليم البحر المتوسط الّذي يجذب 36 في المائة من السياحة الدولية و أكثر من ذلك من استجمام المقيمين أفضل تصوير لضغوط السياحة على المناطق السياحية . و قد أصبح تلوث المياه الساحلية نتيجة زيادة التخلص من مياه المجاري في البحر في ذروة المواسم ظاهرة مزمنة , و اضطرت بلدان كثيرة مثل إيطاليا و فرنسا و اليونان إلى إغلاق بعض الشواطئ بصفة مؤقتة لأن نوعية مياهها لم تعد صالحة للاستحمام و سجلت أرقام مماثلة في بلدان أخرى .
خلقت السياحة المفرطة موسمياً زائداً للغلاف الجوي في بعض المناطق كما أن تدفقات السياح العالمية بواسطة الطرق البرية في أسبانيا و فرنسا و إيطاليا قد قاومت هذه المشكلة كثيراً . وفي يوغسلافيا حيث تصل نسبة السياح الدوليين الّذين يصلون بواسطة البر إلى 86% يبلغ التلوث الرسمي للغلاف الجوي بسبب السياحة أعلى مستوى له في إقليم البحر المتوسط . و قد تأثرت سوريا و تركيا و المغرب العربي بشكل هذه الزيادة الموسمية في تلوث الغلاف الجوي .
كان تزايد عدد الزوار للمواقع الأثرية و التاريخية مصدر للقلق فقد يكون لذلك آثار سلبية بل مدمرة لاسيما من خلال الدهس أو تنفس الزوار و الإضاءة الاصطناعية في مناطق مغلقة أو تحت سطح الأرض . و تصبح هذه الضغوط حادة في أماكن مثل الأقصر في مصر و فينيسيا في إيطاليا مثلما تصبح حادة في بعض المتاحف و المعارض الفنية .
بينما تلعب السياحة دوراً أساسياً في اقتصاديات المناطق الجبلية فإن الأضرار اللاحقة بالنظم الإيكولوجية في بعض الحالات مستوى حرجاً مما يضر بمستقبل السياحة نفسها و يبلغ عدد الليالي السياحية في جبال الألب الأوروبية نحو 150 مليون ليلة كل سنة و قد تصل كثافة السكان المحليين و السائحين في ذروة الموسم إلى 1800 شخص في الكيلو متر المربع أي أعلى مما يوجد في كثير من المناطق الصناعية و تؤثر تلك الضغوط المفرطة على النظام الإيكولوجي للجبال : التربة و الحياة النباتية و البرية و رصيد المياه . و قد أصبحت منطقة جبل أفرست في نيبال التي كانت ذات يوم منطقة معزولة نادراً ما تزار ضحية للسياح إذ توجد فيها حالياً أنشطة رئيسية لارتقاء الجبال و تسلقها و تتضمن مشكلات الإدارة الرئيسية التخلص من القمامة و الفضلات و الإفراط في جميع حطب الوقود .
الاستجابات :
العلاقة بين السياحة و البيئة هي علاقة توازن دقيق بين التنمية و حماية البيئة و يؤكد إعلان مانيلا (1980) على أن الاحتياجات السياحية لا ينبغي أن تلبى بطريقة تلحق الضرر بالمصالح الاجتماعية و الاقتصادية لسكان المناطق السياحية أو البيئية أو فوق كل شيء بالموارد الطبيعية و المواقع التاريخية الثقافية التي تعتبر عامل الجذب الأساسي للسياحة . و يشدد الإعلان على أن هذه الموارد جزء من تراث البشرية و أنه يجب على المجتمعات المحلية الوطنية و المجتمع الدولي بأكمله القيام بالخطوات اللازمة لكفالة الحفاظ عليها . و يعتبر التخطيط الطويل الأجل و السليم بيئياً شرطاً رئيسياً لإقامة توازن بين السياحة و البيئة و لكي تصبح السياحة نشاطاً إنمائياً قابلاً للاستمرار .